يفهم من القرار الذي أصدره رئيس الوزراء حمدوك بتعيين قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي حاكماً لإقليم دارفور، أن دارفور المنقسمة حتى قبل صدور قرار حمدوك الى خمس ولايات، ستصبح اقليماً واحداً وموحداً يحكمه ويديره مني أركو مناوي، أو ربما تبقى الحكومة على الولايات الخمس ولو بمسميات أخرى، فيما يظل مناوي في كلا الحالين هو الحاكم الأعلى والمسؤول الأول على كافة حدود دارفور الكبرى، ويبدو ان اختيار مناوي لهذا المنصب تحديداً دون غيره من مناصب المحاصصة المخصصة لموقعي سلام جوبا، يأتي اعتبارا من تجربته السابقة بعد ان وقع اتفاق سلام مع النظام المخلوع في عام 2006، وتم تحفيزه على التوقيع بتعيينه في منصب كبير مساعدي الرئيس المخلوع، غير انه عندما اكتشف صورية منصبه وصف نفسه بأنه ليس مساعداً للرئيس وانما (مساعد حلة) وغادر المنصب وعاد لحمل السلاح مرة أخرى..
وغض النظر عن الانتقادات التي وجهت لقرار تعيين مناوي حاكماً لاقليم دارفور، من حيث كونه غير منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، وأنه يأتي استباقاً لمؤتمر نظام الحكم والادارة المناط به تحديد عدد الولايات وتعريف حدودها، الا انني أرى ان هناك مشكلة أعوص من كل ذلك، ويذهب تقديري الى انها ستكون العقبة الكأداء التي ستعيق تنفيذ القرار عمليا على الأرض، وهذه العقبة تعتبر واحدة من (الخوازيق) الموروثة من النظام المخلوع، فقد شجع النظام البائد الولاءات القبلية منذ يومه الأول، وكان الدكتور علي الحاج هو من تولى هذا الملف ونشط فيه، بهدف اساسي هو احداث عملية خلخلة للولاءات التقليدية لحزب الأمة في ولايات الغرب، دارفور وكردفان. وكانت الوسيلة المتبعة لانجاز الهدف هي شراء الزعامات القبلية، ونشر الفتنة بين القبائل التي كان يجمعها الولاء لحزب الأمة وطائفة الأنصار، ودخل النظام في صفقات لتعيين الأمراء وشيوخ القبائل على أساس سياسي. ولم تكتف هذه الممارسة بدارفور بل انتقلت إلى كل مناطق السودان، وإن بدرجات مختلفة، وصار طبيعيا ان تقرأ أو تسمع عبر وسائل الإعلام الإعلان عن تأييد القبيلة الفلانية للرئيس ومبايعته، أو إعلان انضمام قبيلة بكاملها لحزب المؤتمر الوطني المحلول، وانتقلت العدوى من مؤسسات الأقاليم والولايات للحكومة المركزية، حيث صار تعيين واختيار الوزراء يتم عبر المحاصصات القبلية، بل يتم تحديد عدد الوزارات طبقاً لذلك، وكثيرا ما تم تفكيك بعض الوزارات لوزارتين وثلاث، حتى يتم تمثيل القبائل والعشائر في الحكومة، حيث كان النظام يلعب باتقان لعبة التوازنات القبلية، لكن سرعان ما ارتد السحر على الساحر وتفجرت المشكلات، ومعظمها لأسباب قبلية وعنصرية، فاضطر النظام للتحايل على الدستور الذي لا يعطي الرئيس سلطة عزل الولاة، إلا بإعلان حالة الطوارئ، فأقال نحو سبعة ولاة، وخضع للضغوط القبلية، فعمد لتفصيل ولايات جديدة، لإرضاء قبائل كبرى، وتم تقسيم ولاية جنوب كردفان لولايتين، وخرجت ولاية شرق دارفور من جنوب دارفور، وانقسمت غرب دارفور لولايتين، وكان ان أرهقت هذه المحاصصات القبلية خزانة الدولة، وخلقت جهازا تنفيذيا مترهلا، كما ساهمت في إبعاد الكفاءات، وجعلت الانتماء القبلي هو المؤهل الوحيد الموصل إلى المواقع الحزبية والتنفيذية المتقدمة..فما تراه مناوي فاعل مع هذا الواقع المعقد..نخشى أن يقول (انا لست حاكما وانما مريس ومتيس)..
نقلا عن ( الجريدة)