شكراً اللجنرال بوتا، فقد رتقتَ ثقوباً في خطاب المنصورة مريم وزيرة الخارجية لمجلس الأمن. رغم طلبها في ختام الخطاب من مجلس الأمن لعقد جلسة حول نزاع سد النهضة لمناقشة تأثيره على سلام وأمن الملايين، لكنها لم تقدم حيثيات قوية لمسببات هذا الخطر.
لم يذكر خطاب الخارجية غياب الدراسات المفصلية التي تؤكد سلامة السد و امانه و سعته المقبولة مما يشكل تهديداً لاروح الملايين . لم يذكر خطاب الخارجية أن السد يمكن استخدامه كسلاح تعطيش أو اغراق.. و لم يذكر خطاب المنصورة أن شعب السودان و مصر سينجرفان إلى البحر الأبيض المتوسط إن لم يصبحا جنوداً لحماية السد من التدمير أو سوء التشغيل.. و لكنك، سيدي بوتا لم تقصِّر فلك قبلة مستحقة!.. فقد وفرت لنا أسباب معقولة للاعتقاد باننا يجب أن نحمي سد النهضة!
الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، اتحفنا أمس على تلفزيون روسيا اليوم بتصريح خطير مثير يرفع افتراض أن السد قنبلة مائية من خانة التخمين و التحليل إلى خانة الجد.. فقد جدّ الجد : “صدقني انه ضخم 13 مليار متر مكعب لذا فعلى السودان و مصر أن يحافظوا على هذا السد و يمنعوا تدميره من قبل بلدان اخرى و اذا تم تدمير السد فلن تجد لا السودان و لا مصر فالطوفان سيجرفهما إلى البحر المتوسط” متبسماً و متحدثاً عن الملء الثاني. تهديد مبطن يرقى إلى دق طبول الحرب..و إن شئت قل بل هو أذن لمصر و السودان لحماية السد .. حسناً، لماذا لا يفعلان ذلك؟
الحقيقة ليس هناك بلدان أخرى ترغب في تدمير السد أو إساءة تشغيله، و لكن توجد جيوش مختلفة متحاربة في اثيوبيا. و توجد عصابات الشفتة. و يوجد سلطة تنكل بشعبها فهل يهمها الاغراب؟ كيف يحافظ السودان و مصر على سد النهضة من انفراط أمني في اثيوبيا؟ ماذا إذا وصلت عصابات الشفتة إلى السد؟ و ليس ذاك ببعيد أو افراط في التشاؤم فقد احتلت من قبل عصابات الشفتة الحبشية جزءاً عزيزاً من بلادنا لربع قرن بقوة السلاح بعد أن تسامح معهم النظام المخلوع الذي لم يتسامح مع السودانيين الثوار. ماذا لو تكرر سيناريو تكزي في النهضة؟ يتسآءل المهندس علي جعفر علي الباحث في استراتيجيات المياه و يواصل: “عزا خبراء موارد مائية إلى أن حجم التفريغ يزداد في هذا العام نتيجة توقف سد تاكيزي عن توليد الكهرباء فترة اعتداء الجيش الفيدرالي الأثيوبي على إقليم تيجراي الذي يضم منطقة السد وقصف محطة الكهرباء، ما أدى إلى زيادة مخزون بحيرة السد مقارنة بالعام الماضي.” أذن كيف نمنع الجيش الفيدرالي أو الجيش التقراوي أو حتى الشفتة من ايقاف توليد كهرباء سد النهضة؟ و مجرد ذلك يعني تعطيشنا ثم اغراقنا كما يقول د. محمد الامين محمد نور.
حتى نهار الجمعة كان يمكن أن تسمي ذلك تحليل أو تخمين . كتبنا و كتب غيرنا بأن سد النهضة سيصبح قنبلة مائية تهدد وجود السودان الذي سيصبح شعبه دروعاً بشرية لحماية السد.. بينما لن تهتز شعرة في إثيوبيا حيث لا توجد قرية اثيوبية واحدة بعد السد يمكن ان يؤثر عليها التدمير المتعمد أو الانهيار أو سوء التشغيل..
السد كسلاح اغراق، كتب عن ذلك أو صرّح عدد من السودانيين من الاعلاميين و خبراء الري و القانون و غيرهم. كما لم ينكره ابرز مؤيدي السد من السودانيين بروف سيف حمد ذلك حيث ذكر في ورقة ( السودان و سد النهضة.. تسأولات متواترة مايو 2020) ( تظل هنالك دائما إمكانية استخدام إثيوبيا للسد كسلاح لتهديد أمن السودان من خلال الإغراق المتعمد وذلك بالفتح الكامل للبوابات وإفراغ بحيرة السد من المياه بسرعة لإحداث فيضان في السودان.) كما أكدّ بروف حمد ” أن سد النهضة تم تصميمه لكي يسمح بمرور الفيضان الذي يحدث مرة كل 10 ألف عام، وهو يبلغ 2.4 مليار م 3 في اليوم أي ما يعادل أكثر من ضعف فيضان عا م 1946″
الآن الجديد هو أن من قال ذلك ليس سوداني ليشتم بالعمالة و التبعية لمصر، أنما هو جنرال اثيوبي لا يتهيّب ان يقول “بعد الملء الثاني سيأت الجميع إلى طاولة المفاوضات لبحث مقترحات تقاسم المياة” و ذلك خروجاً على نص اعلان المبادئ الذي يتحدث عن ” استخدام منصف و معقول” و لا يتحدث عن اقتسام للمياه. و كذلك تفعل اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية فى الأغراض غير الملاحية. و لفائدة القاريء فأن استخدام المياه يعني استهلاك حاجتك محلياً و أما الاقتسام فانت حر في نصيبك، تبيعه لمن تشاء.
فشكراً الجنرال بوتا فقد قدمت لنا هدية عظيمة و لكل المهتمين الفاعلين في ملف سد النهضة . فالقصة ليست قصة ملء و تشغيل و لا قصة دراسات أمان و سلامة فقط إنما قصة سد يحتاج ايضاً إلى حماية أمنية حتى لا يجرفنا لاسباب سياسية أو أمنية إلى البحر الأبيض المتوسط حتى في حالة توفر كل دراسات أمانه و سلامه الهندسي و البيئي و الاجتماعي و الاقتصادي.
إن كان ثمة مفاوضات قادمة، نحتاج إلى إضافة بند حماية المنشاءات المائية من الاعتداء المتعمد أو الإهمال. وذلك ليس من بنات أو أولاد افكاري، إنما منصوص عليه في المادة ستة و عشرين من الاتفاقية الدولية للمياه.
lubbona@gmail.com
الراكوبة