التعليم في ظل الحرب بإقليم دارفور .. تحديات وحلول

التعليم في ظل الحرب بإقليم دارفور .. تحديات وحلول

 

تقرير- الفاتح بهلول

تُعد وزارة التربية والبحث العلمي بالسلطة الإقليمية لدارفور واحدة من أهم الوزارات التي أقرها اتفاق جوبا للسلام ، ومنذ الوهلة الأولى، شرعت الوزارة في وضع مشاريع تسهم في تطوير العملية التعليمية بالإقليم، حيث أجرت مسحًا جغرافيًا لعدد المدارس والجامعات والمعاهد المهنية بولايات دارفور.

 

غير أن عدم إجازة الميزانية والتمويل اللازم حال دون تنفيذ هذه الخطط. وبقيام حرب الخامس عشر من أبريل، خرج عدد من المدارس والجامعات من الخدمة، مما أدخل الوزارة في تحدٍّ كبير فيما يتعلق بإنجاح امتحانات الشهادة السودانية لعامي 2023 و2024.

 

ولتفادي فقدان أبناء الإقليم فرصة الجلوس لامتحان الشهادة الثانوية، فضلاً عن استمرار التعليم الجامعي وتكملة الامتحانات المؤجلة، دعت الدكتورة توحيدة عبد الرحمن، وزيرة التعليم والبحث العلمي بحكومة الإقليم، إلى عقد لقاء مع مديري الجامعات للتفاكر حول أوضاع الجامعات الحكومية والخاصة بولايات دارفور.

 

وقد تمثلت أبرز الجهود في اهتمام حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، الذي وجّه بضرورة انتشار التعليم التقني، باعتباره بوابة إلى سوق العمل.

 

 

*طموحات رغم التحديات*

كشفت الدكتورة توحيدة عبد الرحمن، وزيرة التعليم والبحث العلمي بحكومة إقليم دارفور، عن حزمة من التحديات التي واجهت الوزارة قبل وأثناء الحرب. وأشارت إلى أن الوزارة درجت على تقديم مشاريع طموحة للجامعات ضمن أجندة اتفاق جوبا، إلا أنها لم ترَ النور بسبب عدم تنفيذ بعض بنود الاتفاق المتعلقة بالتعليم.

 

 

ونوهت الوزيرة بضرورة عقد ورش ومؤتمرات تقود إلى إيجاد حلول جذرية لعملية التعليم التي تضررت كثيرًا بسبب الحرب، حيث طال الدمار الجامعات، علاوة على هجرة أعداد كبيرة من الكوادر إلى دول الجوار.

 

 

وأكدت الوزيرة أن نجاح امتحانات الشهادة السودانية بالولايات الآمنة ودولة تشاد تم بمتابعة دقيقة من الوزارة، مما يتيح فرصة استيعاب دفعات جديدة للجامعات، رغم عدم تمكن نسبة كبيرة من أبناء الإقليم من أداء الامتحانات بسبب سياسات الميليشيا، فضلاً عن تكاليف السفر الباهظة إلى الولايات الآمنة، واستنفار الميليشيا للشباب للقتال في صفوفها، مما أدى إلى تضاؤل نسبة الجالسين لامتحان الشهادة خلال عامي 2343 و2425.

 

 

وأوضحت أن هذا اللقاء مع مديري الجامعات يمثل نواة عمل مشترك بين حكومة الإقليم والجامعات، يقود إلى قيام ورش تخرج بتوصيات تمثل خطة عمل للوزارة.

 

 

*أضرار لا تُقدّر لحقت بالجامعات*

جامعة الفاشر، إحدى أعرق الجامعات بإقليم دارفور، لم تسلم من التدمير، وكشف البروفيسور فيصل القاسم أحمد، مدير الجامعة، عن حجم الضرر الذي لحق بها، حيث فقدت أكثر من (20) منشأة خلال فترة الحرب الدائرة، مما اضطر إلى نقل عدد من الكليات إلى ولايات البحر الأحمر وكسلا ودنقلا.

 

وأكد البروفيسور الطيب علي أحمد، مدير جامعة الجنينة، أن الجامعة تعرضت للنهب والحرق، مما أدى إلى دمارها بالكامل، مشيرًا إلى نقل الكليات إلى المدن الآمنة لضمان مواصلة الطلاب لتعليمهم. كما أشاد بجهود حاكم الإقليم للنهوض بالعملية التعليمية.

 

أما جامعة نيالا، فقد نالها أيضًا نصيب كبير من الدمار والنهب، لا سيما مكتبتها العلمية التي تُعد الأكبر في إقليم دارفور، حيث تعرضت للخراب منذ أيام الحرب الأولى. وذكر البروفيسور أحمد إسحاق شنب أن مجمع الكليات بموسية تعرّض أيضًا لأعمال نهب طالت حتى الأسقف والأبواب. وقال: “لقد تمت إزالة الجامعة بصورة كلية من الوجود، ولا توجد جامعة تُسمى جامعة نيالا”، مشيرًا إلى خطورة فقدان أعداد كبيرة من الطلاب فرصتهم في التعليم.

 

 

*ثكنات عسكرية ومراكز تدريب*

تحويل الكليات إلى ثكنات عسكرية، إحدى ممارسات ميليشيا الدعم السريع بحق جامعات ولايات غرب ووسط وجنوب دارفور، حيث كشف الأستاذ الجامعي وممثل مدير جامعة نيالا، البروفيسور أحمد إسحاق شنب، عن تحويل ميليشيا الدعم السريع لمجمع الكليات بموسية إلى مركز لتدريب المستنفرين الذين يُدفع بهم للقتال في دارفور وكردفان.

 

وأشار إلى تحويل القاعات الدراسية إلى مخازن للسلاح، والمدن الجامعية إلى ثكنات عسكرية، مضيفًا أن الميليشيا اجتثت المزرعة الإيضاحية الخاصة بتدريب طلاب كلية العلوم البيطرية من جذورها، مؤكدًا أن هذه الكلية تُعد من أعرق الكليات في السودان.

 

 

وتساءل البروفيسور شنب: “كيف يتسنى لأبنائنا مواصلة تعليمهم وميليشيا الدعم السريع تتمادى في ارتكاب الجرائم بحق مؤسسات التعليم العالي؟”، مشيرًا إلى أن ما ارتكبته الميليشيا من جرائم بحق التعليم والبيئة يُعد من أبشع الجرائم على مستوى العالم.

 

 

 

*مراكز بحث علمية تأثرت بالحرب*

قال الدكتور النور جابر، مدير مركز دراسات السلام بجامعة نيالا، إن المركز ظل يقدم رسالة علمية للمجتمع تمثلت في تدريب القائمين على تنفيذ العدالة، وتوعية المجتمعات بالعدالة الانتقالية، وتأهيل قضاة المحاكم الشعبية، بالإضافة إلى منح درجات علمية لطلاب الماجستير والدكتوراه.

 

وكشف عن حجم الدمار الذي طال المكتبة العلمية التي تحتوي على آلاف المراجع، والبحوث العلمية، موضحًا أن القاعات والمكاتب والأجهزة قد تم نهبها بالكامل، ولم يتبقَ سوى المباني.

 

 

 

*التعليم الإلكتروني أحد الحلول*

لم تقف وزارة التربية والبحث العلمي بحكومة إقليم دارفور مكتوفة الأيدي، في وقت يتوزع فيه الطلاب بين نازح ولاجئ، وآخر ينظر إلى كليته وهي مدمرة لا يدري كيف يُكمل دراسته الجامعية.

 

وفي ضوء ذلك، سعت الوزارة بدعم من حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، إلى إيجاد حل يفضي إلى تكملة الكورسات وتلقي المحاضرات عن بُعد، عبر إدخال نظام التعليم الإلكتروني. وقد وفرت الوزارة منصة إلكترونية سُمّيت بـ”منصة كلاستر”.

 

 

وأكد البروفيسور علي يوسف بريمة، مدير جامعة الضُغين، أن الجامعة تعمل بالنظام الإلكتروني، مما أتاح الفرصة لتخريج ثلاث دفعات، بعد توفير حكومة الإقليم لكافة المعينات. وأضاف أن العملية التعليمية مستمرة بكليات الطب والمختبرات والتمريض، رغم الضرر الكبير الذي لحق بالجامعة. كما كشف عن إجراءات اتخذتها الجامعة ضد أساتذة وموظفين تعاونوا مع ميليشيا الدعم السريع.

 

 

ونوهت الدكتورة توحيدة، وزيرة التعليم بحكومة إقليم دارفور، بضرورة استخدام التعليم الإلكتروني في جميع الجامعات، مؤكدة دعم الحكومة لهذه الطريقة، التي تفتح المجال واسعًا لكافة الطلاب في المدن التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع.

 

*خطوات جادة رغم الدمار*

تتخذ حكومة إقليم دارفور خطوات جادة لدفع عجلة التعليم بجامعات طالها الخراب، عبر برامج التعليم الإلكتروني، الأمر الذي لا يمثل بديلاً كاملاً للتعليم النظري، لا سيما وأن الأبواب ما زالت مشرعة للبحث عن موقع تجتمع فيه كافة الكليات بإحدى الولايات الآمنة، مع توفير الدعم اللازم لمديري الجامعات، وعمداء الكليات، والأساتذة، حتى تتمكن الجامعات من استكمال دورها الرسالي في إقليم دارفور الذي تضرر كثيرًا من هذه الحرب.

 

*خاتمة*

وسط ركام الحرب وصوت البنادق الذي خنق الحلم في مهده، يقف طلاب دارفور على أطلال جامعات كانت يوماً منارات للعلم والمعرفة، يسألون عن مستقبلهم المُعلق بين النزوح والتشريد، وعن حقهم في تعليم أصبح رفاهية في زمن الحرب. لقد تحوّلت قاعات الدرس إلى ثكنات، والمكتبات إلى رماد، والمستقبل إلى سؤال مفتوح لا يملك أحد إجابة عليه .

 

 

ورغم الدمار والفقد، ما تزال عيون الطلاب تلمع بالأمل، وما تزال إرادة التعلم تحفر في الصخر، تنتظر بارقة أمل من سلام صادق، ومن دولة تعترف بأن التعليم ليس مجرد خدمة، بل حياة تُمنح لمن قرر أن ينهض من تحت الركام.

 

 

إن ما يواجهه طلاب دارفور ليس فقط تحدي استئناف الدراسة، بل معركة وجود، وحق إنساني في أن يكون لهم مقعد في قاعة درس لا في خندق قتال ..