ضُل الغيمة : الفاتح بهلول يكتب .. الفاشر تدفع ثمن طُهرها غدرًا

ضُل الغيمة : الفاتح بهلول يكتب .. الفاشر تدفع ثمن طُهرها غدرًا

 

مدينة الفاشر، أبوزكريا، كبقعةٍ حَلَّت من السماء، تحمل معها إنسانًا ليس كسائر الناس؛ كريم، مضياف، وشديد عند الفزع. أسس نظامًا اجتماعيًا متفرّدًا يُحسد عليه، وعلى ضوء ذلك أضحى كافة سكان الفاشر أهلًا رغم تنوّع مكوناتهم من ليبيين ومصريين وزغاوة وفور وتُنجر وزيادية وميدوب وجميع قبائل السودان. هذا التنوع الفريد كوَّن لُحمةً اجتماعية متميزة، ظهرت في أفراح المدينة وأتراحها، وفي ثقافتها في تاريخها الممتد منذ عهد السلطان علي دينار، ( أب سيفًا مولع نار ) حيث ظلت الفاشر كالذهب الذي لا يصدأ.

 

 

لكنّ حرب الخامس عشر من أبريل، التي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع المتمردة، فرضت على المدينة حصارًا جائرًا، استهدفت من خلاله نسف القيم التي اتسمت بها الفاشر. إذ شنت الميليشيا (236) هجومًا، جميعها مسبوقة بغطاء مدفعي عنيف، استُخدمت فيه كافة أنواع المدفعية الثقيلة.

 

ورغم ذلك، ظلّت المدينة صابرةً وصامدةً في وجه الأعداء، تقاتل بكل جسارة، وتحتسب كل يوم شهداء وجرحى، لا يجدون مراكز علاج بعد أن حولت الميليشيا المستشفيات إلى رماد.

 

ماذا فعل أبوزكريا؟

 

ما الذي فعله أبوزكريا حتى يكون مصيره الحصار والتجويع المتعمد والتدمير الممنهج ؟ هل يا تُرى من يقسمون على سقوط الفاشر واستباحتها قادتهم المقادير إلى المبيت ليلة في حي العظمة ؟ هل تسكعوا في شوارع تُمباسي و بىنجية او المعهد ومكركة ؟ هل حمل لهم يوماً هواء دارفور صوت زكريا الفاشر وهو يتغنى في أولاد الريف أو الثورة برائعته “يا بُنيّة”؟ او صوت سانتو و يغني بزينبة او شدهم صوت برعي العظمة ؟ أما علم هؤلاء القتلة أن الفاشر خرج من رحمها شاعرٌ يُسمى محمد علي ابكر الطيناوي صاحب ديوان سمراء لا تتعجلي و أديب أخر شهير يُدعى عالم عباس ؟ رغم قناعتي أن ليس من بينهم مثقف أو أديب قرأ قصيدة “أزوم”، التي يقول في أحد أبياتها

 

 

وسمرة الشط تغط في مداها الخصيب كمثل راهبٍ يكدس الغموض حول سره الرهيب ويستفيض في مخاضه القديم فيجزل العطاء، والعطاء مثل رحم الزمان.

 

إنسان الفاشر يُحرم من آدميته ..

 

 

إن حرمان إنسان الفاشر من آدميته على يد قومٍ يسعون لتدنيس ترابها الطاهر، الذي رعته حق رعاية أسماء كالكواكب لن تمحوها حربهم من ذاكرة الناس منهم ركن الزيادية الركين الراحل حامد خيرالله، والشيخ عوض الله، والسناري، وأبوسم، وأب صفيتة، ودوسة، وبابكر نهار… جميعهم رجالٌ جسدوا علاقة الإنسان بالأرض . فخلص قرار أبناء الفاشر إلى أمرين لا ثالث لهما، إما نُفنى على ثراها، أو هي حرام على الجنجويد .فصانوا العهد الذي قطعوه لـحجر قدور، ودبّة أم شجيرة، والبُحيرة، حتى باتت المدينة محرقةً للجنجويد. .

 

 

صمود أحفاد دينار

 

أضحى صمود و إرادة أحفاد دينار بمثابة قسمٍ حُسم أمره، مع عظماء أبوزكريا، الذين ارتبطت أسماؤهم بالفاشر رغم قسوة المعتدين، الذين لم يميزوا بين بشر أو حجر، فدمروا البيوت والأعيان، ولم تسلم حتى التلال من القصف. لا يوجد شبر في الفاشر يخلو من مقذوف طلقة ، او رايش دانة ، و مع كل أسف العالم يتفرج .

 

 

من يهاجمون الفاشر بهذا الجنون بكل تأكيد لا يوجد بينهم من يحدثهم يومًا بمواقف رحمة الله وزين، أو بوش الظريف، أو حتى ميرم تاجا، التي بدورها تمثل موروثًا ثقافيًا لسلطنة دارفور.

 

 

يا زولي سؤالي عنده إجابة شوف مردودة لميرم تاجا .. هؤلاء القوم يا سادة ما سمعوا يوماً بدريسة حين أمتع عشاق المستديرة، ولا رأوا داكوني وهو يركض بالكرة. فالرياضة لا تعني لهم شيئًا.

 

مقاومة النيوتيلا!

 

لكن شباب المقاومة، اختاروا أن يأكلوا نيوتيلا العمباز وهم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع قواتهم المسلحة والقوة المشتركة، دفاعًا عن التاريخ، وحمايةً للحرائر، في وجه المرافعين المجلوبين من دول عديدة، ضمن أكبر عملية ارتزاق يشهدها العالم.

صمود الفاشر يا سادة كان له أثرٌ واضح في بقاء الدولة السودانية.لذا، لا بد من رد الجميل إليها، بنجدة أهلها من التجويع المتعمّد، الذي استخدمته ميليشيا الدعم السريع. فإن هذه الميليشيا لا يهمها مواقف عزالدين ( وهم ) الطريفة، ولا دعابة صديق وانكا (الله يبردي).

 

كل ما يهم التتار أن تجتاح مليشياتهم المدينة التاريخية،و تصفية أي كائن فيها، و طمس هويتها انتقامًا لكبرائهم الذين هلكوا في شوارعها. فهل يتحقق لهم ذلك؟ أم أن السودانيون سيكونون عونًا للفاشر، بإصال الغذاء والدواء؟ أم يتركونها تدفع ثمن طُهرها وعفافها خرابًا، دمارًا، و انعدامًا للصحة، وموتًا بالجوع والقصف المدفعي؟

 

فإنّ الذي يحدث لإنسان الفاشر، لا يتخيله عقلٌ بشري.

 

مع تحياتي

3 سبتمبر 2025