(1)
(ليس هناك خيار لتجاوز الأزمة الإقتصادية في السودان إلا برفع الدعم تماماً عن المحروقات) … هذا هو منطق حكومة حمدوك الذي ظل يلهج به وزير ماليتها جبريل إبراهيم في كل حين وأوان، وكأن الحلول جميعها قد نضب معينها ولم يبق إلا خيار الجراحة بدون بنج على هذه الأجساد المتهالكة التي أعياها طول المعاناة… لو أننا سلمنا بصحة هذه الفرضية ألاَّ خيار لتجاوز الأزمة إلا برفع الدعم عن كل المواد البترولية في هذه المرحلة وصولاً إلى المرحلة الثانية وهي رفع الدعم عن الدقيق.. لو أننا سلمنا بنجاعة هذا الحل الوحيد ، ورددنا مع جبريل إبراهيم : “أن هذا هو الحل الوحيد” فهل يستطيع الشعب السوداني تحمل هذا العلاج القاتل، وفي مثل هذه الظروف القاهرة التي يمر بها الشعب من معاناة فاقت حد التصور ؟؟!!.. فلنفترض أن هذا الحل يصلح لعلاج مثل هذه الأزمات، لكن الشعب السوداني لن يتحمل هذا الإجراء القاتل في ظروفه الحالية، فهناك كثير من الحلول التي أشرنا إليها في مقال سابق يمكن اللجوء إليها بدلاً عن وضع أشلاء الشعب وصدوره العارية جسراً لعبور غير آمن..
(2)
الحقيقة التي ربما يجهلها حمدوك وجبريل والبرهان وعدد كبير في مجلس السيادة والوزراء أن الشعب السوداني وصل “الميس”، وقد بلغ أمره منتهاه ومعاناته وصلت ذروتها ولم يعد قادراً على تحمل أي ضغط جديد، ولن يقبل أي تبرير خاصة وأنه لم يعد يثق في شلة الفاشلين الذين يمسكون بمقوده ويشرفون به نحوالهلاك الحتمي…المواطن الآن وصل مرحلة الإختناق من شدة الضغط ولايستطيع التنفس فهو حتماً لايقوى على المزيد من كتم الأنفاس في هذه الغرفة المظلمة ، وليس أمامه إلا كسر الطوق الذي يضربه مناديب البنك الدولي في السودان…يا أيها الحكام فإن كنتم تريدون بالشعب السوداني خيراً أحموه من عدوه الظاهر أمامكم من المهربين والمضاربين والمحتكرين وسارقي قوته وثروته وعزه وكرامته، ولا شك أنكم ترونهم وتعرفونهم فمالكم تلجأون إلى المواطن البسيط وتذرون أس البلاء والداء ومسببي الندرة والغلاء…
(3)
هناك إجراءات وخطوات لو أن الحكومة قامت بها لتكون متزامنة مع إجراءات رفع الدعم ربما تمنح المواطن بعض الأمل والثقة في الحكومة مثل معالجة التشوهات الإقتصادية والقضاء على المضاربات وتجارة العملة والتهريب ومنع فوضى الإستيراد والتصدير وانفلات السوق، والنأي عن المحاصصات والتكالب على المواقع والمناصب، لكن للأسف الحكومة لم تمضِ بجدية في تنفيذ هذه الإجراءات بصرامة ولم يرَ أحدٌ لها أية نتائج تبعث الأمل، وهذا مايرسخ في الأذهان أن الحكومة لاتلجأ إلا إلى الحلول التي تمر أنصالها الحادة على نحر المواطن وحده ، بينما كان بإمكانها تخفيض الإنفاق الحكومي وتقليص عدد الدستوريين إلى أقل من الحد الأدنى وبالتالي تقليل مرتباتهم ومركباتهم وحصة الوقود التي تُهدر لعناصر ليست ذات كفاءة وغير موهوبة وغير قادرة على العطاء… وكان بإمكان الحكومة أن تلجم المضاربين وتحاصركل الأنشطة الطفيلية بإجراءات صارمة، وتتخذ قرارات حاسمة تعيد إلى الدولة هيبتها وتزرع الرعب في قلوب المهربين والمضاربين وكبار اللصوص الذين دمروا الإقتصاد ومازالوا يمارسون لعبة الدمير هذه مستغلين ضعف الحكومة وتساهلها وهوانها وضياع هيبتها…… اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.