ما أن نشرت “شبكة سلاطين الإخبارية” خبرا مفاده إقالة المديرة العامة لوزارة البني التحتية والتنمية العمرانية بولاية شمال دارفور ،مي أحمد آدم حتى ذهب المفسرون والمحللون بتقديم تحليلاتهم وقراءاتهم للأسباب التي دفعت والي ولاية شمال دارفور ،محمد حسن عربي، بإصدار هذا القرار المفاجئ للجميع.
فالبعض فسر بأن دافعية إعفاء السيدة من منصبها هي إبرام عقد مع شركة “دوسة للإنارة” لإنارة جسر بحيرة الفاشر المشيد حديثاً ؛ ولكن هذه الشركة أخلت بالشرط الرئيس المبرم في العقد، باستجلاب وتركيب لمبات باهتة وضعيفة في الإضاءة، فتدخلت حكومة الولاية في فسخ العقد.ويرى أخر أن سبب الإقالة هو وجود خلاف ناشب بين والي الولاية، والمديرة المُقالة في مسألة تشييد بنك الخليج المخطط في قطر المصرف الرئيس للمياه بوسط سوق الفاشر الكبير. بينما زعم أحدهم بأن الوالي وجه المديرة العامة للوزارة المعنية بتصديق مائتين قطعة أرض لصالح الأول بينما رفض الأخير هذه الخطوة.
هذا ما هو ظاهر للعيان. لكن هذه الصورة ربما تكون أعمقا من ذلك، وتتخطى كل ذلك التخمينات والتفسيرات المصاغة إذا تمعنا النظر قليلا في الصورة ؛ فنجد أن المنافسة في السياسة السودانية خصوصاً في الآونة الأخيرة لم تك في إطارها الشريف المنظم لها بالفكر السليم ،والتفكر الجيد لايجاد مخرج وحلول للمشكلات السودانية العويصة والشائكة ؛بل نجد مصطلح “الحُفر، والحِفير” سيدا على الساحة السياسية. فكل من يطمح طموح الوصول لكرسي السلطة فإنه غير مطالب بشهادات جامعية، أو فوق الجامعية، أو بعض المعايير التي تشترطها بعض المنظمات العالمية، أو الشركات الإقليمية والدولية لنيل وظيفة ما ،وإنما مطالب بأن يجيد لغة الحِفير،وأن يبدع في تلفيق الأكاذيب على الخصوم بأشد العبارات ليعبد بها الطريق للوصول إلى ذاك العرش والهدف المبتغى.
لا أقول كل الساسة المحمومين بحمى السلطة يتخذون سياسة “الحُفر” وسيلة للكسب السياسي الرخيص؛ لكن معظمهم يتخذون تلك الوسيلة بدفعة قوية من شلليات لها مصالح ومنافع مادية إذا ما حاز منافسهم على لقب المنافسة وبالتالي تستنفع تلك الشلليات ،وهذه هي “العوجة” والأزمة المتفاقمة في السياسة السودانية التي تنعكس قطعا على الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية،والأمنية.
حينما غرد عربي في صفحته بأنه لم يعين المديرة العامة المُقالة يوم أمس “الجمعة” لمنصب المدير العام للبني التحتية إلا لأنها متخصصة في مصادر المياه ،وأن الولاية مشكلتها الأساسية تكمن في شح المياه خاصة في فصل الصيف. لكن لم يك قرار التعين، ومدافعة الوالي في الوهلة الأولى لقراره بذات الطموح المرتجى؛ فظلت المعاناة في الحصول على المياه مستمرة بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها اللجنة العليا لغرفة طوارئ المياه لكن العطش موجود إِي والله.
أجل لقد نشطت وزارة البني التحتية في الفترة القصيرة ، تحت دفة السيدة مي أحمد آدم في إحداث بعض الإشراقات بإنشاء جسر البحيرة، وتعبيد وسفلتة الطرق الداخلية لمدينة الفاشر نظرا للدعم السياسي التي وجدتها المديرة المُقالة ، والمساندة التي قدمها فريقها إلى حد ما .ولكن في المقابل، وللأمانة المهنية استمرت الوزارة بذات السياسات البائدة في التوسع في المخططات السكنية ،والتلاعب في تمليك الأراضي لغير مستحقيها ،وهذه حقيقة إي والله، تمنح قطعات سكنية لبعض موظفي الدولة ،وأولى القربى مرة ومرات ،والبعض الأخر لم يمنحوا شبرا واحدا من هذه الأرض فكأن في الأمر تمييز ،وجعل مفارقات بين المواطنين.
هذه المرحلة الحرجة والمثقلة فوق فوق طاقة المواطن الأغبش المنكوب يجب أن تركل بعيدا، فالمواطن لا يقدر أن يدفع قيمة تذكرة المواصلات الداخلية أكثر من 1000ج يومياً ودخله أقل من ذاك المبلغ ، والموظف والعامل الحكومي لن يستيطع أن يتناول وجبة الإفطار بمبلغ 500ج، وبدل الوجبة المقرر له في الشهر هو 220ج .هذا هو مستوى الفهم السائد للقيادة الحاكمة في البلد .إذا لابد من التغيير المنشود ،والتخلي عن السياسة التحفيرية والدفع بمن هو أقدر وأشرف وأكثر أمانة ونزاهة في خدمة البلاد والعباد.