إبتهاج العريفي تكتب همس الواقع .. علمتنا الحرب

إبتهاج العريفي تكتب همس الواقع .. علمتنا الحرب

*أجبرتنا الحرب على النزوح ومغادرة الديار ومفارقة الحبيب والجار فلم تعد الديار هي الديار ولا المكان هو المكان فالكل نزح بحثا عن أمان..

غادرنا الدور التي ترعرنا بين جدرانها والأحياء التي منحتنا أكسير الحياة..خرجنا ولسان حالنا:

لا تسأل الدار عن من كان يسكنها
الباب يخبر أن القوم قد رحلوا
يا طارق الباب رفقا حين تطرقه
فإنه لم يعد في الدار أصحاب
تفرقوا في دروب الأرض وانتشروا
كأنه لم يكن أنس وأحباب.

*عفوا .. لا عن النزوح اتحدث ولا عن مرارته أحكي ، ولكن أتحدث عن النزوح والترحال من زاوية أخرى، زاوية كشفت لنا أصالة شعبنا العظيم ، وكشفت لنا كم كنا نظلم أنفسنا ونحن نجهل الكثير عن ربوع الوطن الحبيب والتي لولا الحرب لما عرفناها ولظللنا في غياهب الجهل سادرين.

 

*نعم عرفنا من النزوح مدنا وقرى كما كنا نسمع عنها، وعرفنا من النزوح أن المروءة والشهامة والكرم متجذرة في شعبنا الكريم العظيم.

.. فقد عرفنا النزوح على على أشخاص ما ربطنا بهم حبل رحم ولا جمعنا بهم قبل ذاك مكان او زمان .. فكانوا لنا نعم الأهل وخير عشيرة، أغرقونا في بحور كرمهم الفياض ، كانوا لنا خير سلوان وخير تعزية وخير معين.. رسموا الدهشة على محيانا حتى غادرنا ديارهم إلي خارج البلاد الي دولة اخرى.

 

*وهناك حيث وضعنا عصا الترحال تواصلت الدهشة وزاد الإنبهار بنخوة الرجل السوداني التي لم تؤثر فيها عوامل الغربة ولم تعريها عوامل الجغرافيا ولم يطمثها تاريخ.

 

*مواقف كثيرة هنا حيث أقيم.. مواقف أعيش خلالها يوميا حكاية من حكايات شعبنا المتفرد وكيف يحترم الرجل السوداني المرأة ويكرمها.. لدرجة أن السائق لعربة الأجرة لا يكتفي بأن يصل بك إلي وجهتك .. بل يقف معك بالمساعدة في توصيل أغراضك حتى باب مسكنك حتى لو كان في طابق (السماء ذات البروج)، وذلك بكل رضا نفس وطيب خاطر.

ذلك على عكس السائق من أي دولة أخرى والذي ما أن يصل بك إلي حيث تريد (ببقى مارق) وعلى المرأة بعد ذلك أن (تاكل نارها).

خلاصة القول: إذا قضت الحرب على الأخضر واليابس وأعادت الكثيرين إلي محطة البدايات، فهي لم تقض على عاداتنا وموروثاتتا الأصيلة والجميلة ، وإذا فقدنا الكثير في هذه الحرب فإننا لم نفقد صفات الرجل السوداني الفريدة، بل العكس فقد جلت الحرب تلك الصفات وجعلت لها لمعانا وبريقا جديدا.

و….
وختاما اعاد الله لنا ولبلادنا السلام والأمان وأعاد كل النازحين واللاجئين والمتغربين إلي ديارهم سالمين مجبورين خواطر. .ورحم الله من مضى إلي رحابه وشفى الجروح وانهى مسلسل النزوح.
و….
وعزيز انت يا وطني رغم قساوة المحن.