د. معاوية عبيد يكتب صوت القلم .. احتفالات السودانيين بعيد الاستقلال (٦٨ ) وقصة سيدنا يوسف

 

لم يذق الشعب السوداني طعما للعافية و الاستقرار منذ بزوغ فجر استقلاله في العام ١٩٥٦م و ها هو يستقبل عيد الاستقلال رقم (٦٨) وهو مسخن بالجراح نتيجة الحرب التي اندلعت في عاصمة البلاد الخرطوم و امتد لهيبها إلى بعض ولايات السودان ..

ظل السودانيون يتجرعون من كأس هيمنة وبطش الطامعين من دول الهيمنة والاستكبار و الاستعمار و دويلة الشر وذلك من أجل الحصول على موارد السودان العظيمة التي حباها الله بها حيث يشكل السودان العمق الاستراتيجي للغذاء العالمي و المياه العذبة خاصة و أن نهر النيل يتشكل من عدة روافد على طول البلاد و عرضها و العمق الاستراتيجي لأقدم حضارة في العالم و العمق الاستراتيجي بمكنوزاته من المعادن الثمينة.. شواطئ و مواني البحر الأحمر، و الأرض المنبسطة الخصبة الصالحة للزراعة كل هذه الخيرات وخاصة المعدنية التي تم استخراجها إبان حكومة الإنقاذ الوطني التي وجدت صراعا من قبل العالم الخارجي وزراعه اليمين من المعارضة الداخلية .. صراعاً لم يشهده تاريخ السودان حديثه وقديمه… هذا الصراع يذكرني بقصة سيدنا يوسف عليه السلام مع اخوته.

فعندما رأت حكومة الإنقاذ احد عشر كوكبا من استخراجاً للبترول وتعبيداً للطرق و فتحاً للجامعات و توفيراً لمعاش الناس بايسر الطرق و الدخول في عالم الصناعات الثقيلة وتطوير صناعتها الحربية و الدفاعية وقوية شكوتها امام اعدائها وفتحت آفاق المستقبل أمام الشباب و الدخول في برنامج التنمية من أوسع أبوابه ، ما فعلت كل هذا الا وكشر المارد الأسود انيابه علي هذه الدولة التي بدأت تتعافي شيئاً فشيئاً ..

ولكنها وقعت في جب الاطماع الدولية التي تريد الاستيلاء علي هذه الخيرات لنفسها فبدأت باشعال المعارضة الداخلية التي زادت من وتيرة حرب الجنوب حتي انفصاله وهي في نفس الاثناء تغرس انيابها في ولايات دار فور لتخلق حرباً جديدة باسم الهامش و الكادحين و تنجب من رحم هذا الحركات المسلحة ..كل هذه العوامل نضيف عليها مفاصلة العام ١٩٩٠م وهي القشة التي قصمت ظهر البعير كل هذه الأحداث نقف عندها ونحن نتأمل سورة يوسف عند قوله تعالي : ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ ) .. هذه الاحداث ادخلت الشعب السوداني في جب الصراعات كما فعل اخوة سيدنا يوسف الاحد عشر باخيهم ، فبعد أن زرع الشعب السوداني ثلاثون عاماً دأبا وحصد فيها الخير الوفير .. لكنه لم يحفظ من حصاده في سنبله بل خرج وزرع بعدها اربع سنين عجاف قضت علي الأخضر و اليابس وحصد بعدها حرباً ضروس دمرت البلاد وشردت العباد ..و ظل الشعب هائماً علي وجهه في مراكز الايواء بالداخل وعنده اخوته و اهله في الولايات الآمنة ومنهم من تأبط عصا الترحال ووجد ضالته في بلاد الغربة و هو يحمل بضاعة مزجاة بعد أن باعوه قادة قافلة الثورة المشؤمة بثمن بخس دراهم معدودات وكانوا فيه من الزهادين بعد أن سرقوا مكيال الوطنية ليحتسوا به خمر انتصاراتهم على اهليهم بين جدران خمارات الغرب وفنادق دول البغي والعدوان التي اختاروها منفي لهم لتساندهم علي قتل شقيقهم الشعب السوداني (يوسف ) ..

لكن ما ان توحد الشعب السوداني ولم ييأس من روح الله وتحسس من يوسف و اخيه فوجدهم و مسح وجه بقميص يوسف و اشعل فتيل المقاومة الشعبية سنداً لقواته المسلحة ضد دول الاستكبار العالمي و دويلة الشر و هؤلاء التتار حتي ارتد بصيراً بإذن ربه منتصراً و سيجلس على خزائن مصر و سينعم هذا العام باستقلال حقيقي غير زائف .. لكن عليه أن يضع ما زرعه في سنبله و يحوله الي مشاريع البناء والتنمية و يعدل في قسمته و يجمع شمل والديه واخوته بعضهم البعض بعيداً عن القبلية و الجهوية التي ستؤدي الي تقسيم السودان الي دويلات وباذن الله سيعم البلاد السلام و الرخاء والنماء و نستقبل العام ( ٢٠٢٤م ) كم استقبل سيدنا يوسف و الديه و هو على عرش مصر .