د. معاوية عبيد يكتب صوت القلم ..الكتياب نموذج تفرد في زمن الحرب

 

يُروى أنه كان لدى رجل عربي بيت جميل، يعيش فيه بسعادة مع زوجته وأولاده. وفي إحدى السنين، واجهته أزمة مالية اضطر فيها إلى أن يبيع داره، فجاءه رجل، وكان تقياً كريماً، واشتراها منه ودفع ثمنها، وتسلّم الدار وسكن فيها مع أهله، فلما أتى الليل سمع المشتري بكاء، فسأل: ما هذا؟ قالوا له: إنهم أهل الرجل الذي باع لنا الدار، يبكون حزناً على دارهم. فرَقّ قلب المشتري لحال أهل البائع، وأرسل إليهم يخبرهم بأن “المال والدار لهم”.
هذه القصة واحدة من آلاف القصص في تاريخنا العربي القديم، التي تؤرخ لحوادث ومواقف يتغلب فيها الطبع الطيب الكريم، وتنتصر فيها الأخلاق عند العرب ، الذين أعلوا قيمة الكرم واتخذوا له رموزاً وإشارات، حتى صار لدى طائفة كبيرة منهم سلوكاً والتزاماً،وبعد مجيء الإسلام، أضفى على الكرم قيماً روحية وغايات سامية، عبر ثنائه على معاني الجود والسخاء وذمّه لمظاهر الشح والبخل وتفضيله طريق الاعتدال في الإنفاق، وكذلك في تنظيمه لطرق العطاء وتقديمه، وضمان ذهابها إلى أهلها مما يعود بالخير على العاطي والمعطى له، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ، أيضا رُبط الكرم بصفات ذات قيمة اتسانبة عالية مثل الإحسان والود والنجدة والعطف والمروءة والشهامة والعزة وعفة النفس والرجولة والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية وغيرها.

المجتمع السوداني واحد من المجتمعات التي ترسخت عندها معاني الكرم و الشهامة و ما يذكر السوداني في اي بقعة من بقاع العالم الا ويذكر الكرم فأصبحت صفة جميلة ملازمة ( للزول ) .
أنحنا الفي الكرم نيرانا مـــــــا بنطفيها
انحنا العزة في الإسلام بنفخـر بيهــــا
أنحنا ان درنا نجمات السمــــاء ندليهــا
والآن جاءت هذه المؤامرة العالمية اللعينة علي الشعب السوداني فتصدي لها الشعب السوداني من خلال ( معركة الكرامة ) بدأ بقواته المسلحة التي فتحت صدرها وتلقت الزخات الاولي من الرصاص و فتح الشعب السوداني دياره وقلبه لايواء اهله واخوته الفارين من جحيم الحرب ، فكانت الانتصارات، شجاعة ،بسالة وكرم .
نحن أهل الكرم
شبعنا الجيعان في يوم القرم
مين الزينا
ياضال الطريق ميل علي اهل القري
الكتياب كانت واحدة من القري التي قصدها اؤلئك المنكوبين فتباري أهلها وفتحوا قلوبهم قبل ديارهم وقدموا الزاد و العلاج لمرضي الفشل الكلوي ، تباري شباب الكتياب في ذلك وتقاسموا الضيوف بينهم في ديارهم وقدموا لهم الغالي و النفيس ، حتي أن أحدهم طلب إذا وافته المنية أن يقبر في مقابر الكتياب لما وجده من إحسان للضيف حيا وميتا عنده أهل كتي و اهل الخلاوي
نحن أهل كتي
الشافع الصغير بيفخر بي
نحن أهل التقابة الجمرها حي
نحن الكرمنا اصالة و ميراث
ونحن نحاسنا من زمن جدنا العباس
جسد أهل الكتياب معاني التكافل و التراحم و معاني الوطنية الخالصة من خلال استضافة كل أهل السودان في ديارهم الصغيرة من اجل تلقي علاج غسيل الكلي ،فغسلوا الفوارق الاجتماعية و الطبقية و الجهوية ،فتجد ( أهل دار فور ناس الكسوة ، و الكردافة الناس القيافة وأهل الشمال البيسروا البال وناس الجزيرة المروية اهل السعية واهل الصومعة واهل التاكا وعروس البحر الحورية ) ، كل اولئك وغيرهم وفر لهم اهل كتي كل الاحتياجات الطبية ، فكانت أجمل هدية لشعب عاني من ويلات البندقية ، بعد تزاحم الأهالي وتسابقوهم لايواء أخوة لهم من كل بقاع بلادي الحبيبة، ايضاً تزاحموا اليوم علي صفوف صلاة الجنازة من اجل إكرام احد مرضي غسيل الكلي الذي لجأ لاخوته بالكتياب اكرموه حيا وميتا و اكرموا قبله العشرات ، توفي احد مرضي غسيل الكلي و كانت ترافقه زوجته ، فقاموا بواجب عزائه كاملاً حسب عادات أهل المنطقة ومن ثم اكرموا زوجته التي اغدقوا عليها بزاد الطريق الي ان عادت الي ديار اهلها ببحر ابيض ، فهنينئاً لكم الاهل بالكتياب فقد نلتم الحسنين .