الدكتورعبدالله الطيب يكتب .. لماذا لا يريدون أن يرفعوا الحظر الإقتصادي من السودان

 

*توطئة:*
كتبت شادن عمر يسين، من العاصمة البريطانيه لندن، مقالاً تحت عنوان لماذا يرفضون رفع الحظر عن السودان؟ وهي تقصد أمريكا والدول الغربية وقد أوردت في مستهل مقالها الرصين الإجابة على هذا السؤال والتي تفضل بها السيناتور “جاستن اولفر” وقد أوردت تصريحاته الجرئية كل من قناة (Sky Time)، وصحيفة (Africa News)، حيث اجمعتا علي ان سبب رفض رفع الحظر جاء بناء على طلب من (مركزية الحرية والتغيير)، وذلك بهدف الضغط على العسكريين لقبول حكومة مدنية علمانية غير اسلامية.

 

ما زال الخونة في غيهم القديم:
أوردت الكثير من المصادر ان كل من ياسر سعيد عرمان مستشار الرئيس سلفاكير للشئون السياسية وهو يحمل جنسية دولة جنوب السودان، مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة، محمد الفكي سليمان، وجدي صالح بالتعاون مع خارجية جنوب السودان، نجحوا في مساعدة أمريكا في إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن برفض رفع الحظر عن السودان، واوضح السيناتور “جاستن اوليفر” انه لم يري في حياته معارضه قذرة وخائنه لوطنها مثل مارأه في المعارضة السودانية، وعزي ذلك إلى ان المعارضين السودانيين بمن فيهم دكتور حمدوك يحملون جنسيات دول أجنبيه، وقال لو كنت مواطناً سودانياً لما قبلت ان يتولى حملة جوازات اجنبيه مقاليد الأمور السياسية في بلادي.

 

واوضحت قناة (Sky Time)، ان السودان منتهك دولياً، وأجمع المتحدثون على ان السياسيين السودانيين خونة وعملاء ويتقاضون ملايين الدولارات من امريكا والغرب وبعض الدول العربية بهدف تدمير جيش بلادهم وتمزيق وحدتها الوطنية، اما السياسي الافريقي المخضرم “توت ازت كنق”، تحدث لصحيفة (Africa News)، حيث قال اذا كان الشعب السودان يريد ديمقراطيه حقيقية عليه أن يمنع حملة الجوازات الغربية من العمل في المجال السياسي، فهؤلاء يعملون وفق توجيهات الدول الغربية التي يحملون جوازاتها، وحذر الشعب السوداني من التدخل المصري واوضح ان مصر هدفها تمزيق السودان بهدف نهب خيراته حسب ما قال.

 

جاءت كل هذه التصريحات بصورة علنية ومنشورة والعالم كله يعرف ذلك، ومع كل هذا ظل الرئيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان يجلس معنا في مقاعد المتفرجين على هذا العبث المدمر الذي يجري في بلادنا في وضح النهار، وهو يؤجل المواجهة الحتمية مع كل من يريد المحافظة على مكاسبه الحرام التي حصل عليها، ابتداءً من فاسدي النظام السابق ثم فاسدي حكومة الحرية والتغيير ثُم حميدتي وأخوه عبد الرحيم، ثُم قادة الحركات المسلحة الذين قبضوا جميع ما طالبوا به وزيادة وامتنعوا عن الوفاء بإلتزاماتهم المنصوص عليها في الأتفافية الشؤم التي وقعوها في مدينة جوبا بجنوب السودان والتي فاوضوا فيها أنفسهم وأتفقوا على الجيش السوداني ووقعوا على إقتسام ميراث الإنقاذ.

*الجميع مستفيد من الحظر الإقتصادي على السودان:*
الغرب لن يرفع الحظر الإقتصادي عن السودان حتى وأننا سلمنا حكم بلادنا لهؤلاء المرتزقة الخونة الأذلاء، فقد حقق الحظر الإقتصادي لكل الأطراف مصالحهم في السودان، لا يمكن التفريط فيها لأي سبب كان، فقد حقق الحظر لأمريكا ما عجزت عن تحقيقه في السودان خلال (64) عاماً التي سبقت العام 2019م، وحقق للأمارات من خلال الذهب السوداني المهرب إليها ما يقارب 25% من قوتها الإقتصادية، وحقق لمصر من خلال إعادة تصدير جل الصادرات السودانية، ما يقارب 40% من قوتها الإقتصادية، وحقق حتى لروسيا والصين اللتين إمتنعتا من التصويت الكثير من الشروط الميسرة في الإتفاقيات الإقتصادية بينها والسودان ما لم يكونا ليحصلا عليه لولا الحظر الإقتصادي المفروض على بلادنا.

 

*ماذا تقول الدراسات؟:*
تقول الدراسة المطولة التي أجريناها على حولي 65 دولة حول العام حققت نهضتها الإقتصادية، وأخترنا منا 7 نموذج كان النموذج الأول ألمانيا واليابان واللتان حققتا نهضتيهما عام 1960م، مرورا بأثيوبيا ورواندا اللتان حققتا نهضتيهما عام 2000م، وأنتهاء بتركيا والبرازيل اللتان حققتا نهضتيهما عام 2003م، أن جميع هذه الدول حققت أولاً وحدتها الوطنية، ثانياً عملت على بناء نهضتها الإقتصادية وفقاً لإستراتيجية وطنية شاملة، ثالثاً إعتمدت بشكل أساسي على إمكانياتها الذاتية ومواردها المحلية، وقد أثبتت الدراسة أن جميع الدول التي فشلت في تحقيق نهضتها الإقتصادية الشاملة فشلت أولاً في تحقيق كل أو بعض هذه المرتكزات الجوهرية التي لا تستطيع دولة من دول العالم الإستغناء عنها أو عن بعضها ثم تحقق نهضتها الإقتصادية.
*كل الأطراف تعمل من أجل تحقيق أهدافها الخاصة:*
أن صدقت قرأتي لواقعنا السياسي السوداني المأزوم، كل الدول العالمية ومن ورائها كل العوامل الخارجية وكل الأطراف الداخلية إبتداءً من الدعم السريع وقائده حميدتي وأخوه عبد الرحيم، والحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على السلام والأحزاب السياسية اليسارية الجميع يعمل بكل قوة وجهد من أجل أن يحقق أهدافه الشخصية خصماً على أهداف الوطن، وعلى أهداف الأطراف الآخرى.

 

*ما هي أهداف بعض الأطراف؟:*
القائد حميدتي يحلم بأن يحكم السودان ويرث بدعمه السريع الجيش السوداني، وهو نفس حلم الحركات المسلحة وقادتها مقلدي حفتر، والأحزاب اليسارية ترى أن فرصتها قد حانت لتمحو الإسلام وأهله من السودان وتفرض بقوة السلاح العلمانية على الشعب السوداني ظناً منهم أن خلاص السودان في العلمانية، وإن لم يكن ذلك كذلك فعلى الأقل يتخلصون من غرمائهم الإسلاميين، كل هذه الأماني تمر من خلال طريق واحد لا ثاني له، وهو طريق ضرب الجيش السوداني، ثُم حله وإعادة بناءه من جديد على أسس علمانية خالصة.

 

 

*أين يمكن المخرج؟:*
لا مخرج أمام البرهان غير المواجهة التي ظل يؤجلها يوم بعد يوم وشهر بعد شهر وعام بعد عام وقيمة فاتورتها ترتفع كل يوم، فلا بد *أولاً* مما ليس منه بد عزل حميدتي وأخوه عبد الرحيم من قيادة الدعم السريع بنفس الطريقة التي تم بها عزل إبن عمه موسى هلال من قيادة قوات الصحوة، وأن يتم إلحاق هذه القوات بالجيش، وأن تضع القوات المسلحة يدها على مصادر تمويل هذه القوات، وأن تحافظ على خصوصيتها قدر الإمكان وذلك لطبيعة المهام التي عادة ما توكل إليها.

 

*ثانياً* أن يجلس الجيش بعد الإستيلاء على مقاليد الأمور مع الحركات الموقعة على السلام، على واحدة من إثنين إما أن تقبل بدمج قواتها في الجيش السوداني وتسريح من لا يصلح وتعديل الإتفاقية بما يحفظ حق الدولة في إقامة العدل بين الناس والتخلي عن المكاسب التي يرون أنهم حققوها بقوة السلاح وإما إلغاء الإتفاقية الفتنة والإستعداد للحرب أن أرادوها.

 

*ثالثاً* العودة إلى دستور 2005م الذي خول للجيش الإستيلاء على السلطة وتحديد موعد لإقامة انتخابات حرة ونزيهة في مدة أقصاها عام من تاريخ إعلان هذه الإجراءات وللجيش تعيين حكومة مدنية من تكنوقراط غير حزبيين لتسيير البلاد وإقامة الإنتخابات.

بصفتي محترف إدارة مخاطر معتمد من التعليم البريطاني أري أن تأجيل مثل هذه الإجراءات الحيوية التي لا مفر منها يزيد كل يوم من مخاطرها على البلاد وعلى العباد وعلى أحلام وآمال الشباب بشكل مخيف جداً، ويمهل أصحاب الإستراتيجيات المضادة لتنفيذ أجندة لها مرود سلبي جداً على البلاد ووحدتها وسلامة شعبها وأراضيها، وهم لا يستطيعون “وأعني كل الأطراف التي تعمل على هدم السودان خارجياً وداخلياً” أن يفعلوا في السودان أكثر مما فعلوا فيه حتى اليوم، والسلام.

الدكتور عبد الله الطيب علي الياس / خبير الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة