دكتور عبدالله الطيب يكتب .. تحليل سياسي منطقي لمستقبل السودان القريب على ضوء المعطليات الماثلة بين أيدينا

 

 

توطئة:
عزيزي القارئ أولاً دعنا نتفق أن الغيب لا يعلمه إلَّا اللهُ عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أما نحن عباده، لا نشهد إلا بما علمنا وما نحن للغيب بحافظين، ومنتهي علمنا هي قراءة الشواهد والمعطيات، وتحليلها بالمنطق وتوقع مآلاتها إذا ما ظلت هذه المعطيات على ما هي عليه، ويمكن لجميع التنبآت والتوقعات الوارده في هذا المقال أن تنهار بأكملها إذا ما حدث أي تغيير جوهري في معطيات الساحة السياسية السودانية والإقليمية والدولية الحالية، فهي نتاج طبيعي لها.

 

*المعطيات الحالية:*
1. الفريق أول عبد الفتاح البرهان على قيادة القوات المسلحة، وهو يتعامل بنفس الإستراتيجية الحالية.
2. الفريق أول حميدتي على قيادة قوات الدعم السريع، وهو يتعامل بالإستراتيجية.
3. الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا ومُتمترسة خلف مكاسبها، وتريد لهذا الوضع أن تستمر.
4. الحركات المسلحة غير الموقعة على سلام جوبا، تمسك بالجانب الآخر من المعادلة، ككرت ضغط تستخدمه الإستخبارات العالمية في الوقت المناسب.
5. الإستخبارات العالمية وهي تعمل تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بتنسيق تام مع الإتحاد الأوربي وإسرائيل وبعض الدول العربية وعملائها السودانيين في الداخل والخارج، من أجل إستثمار هذه الفرصة التاريجية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في السودان، دون مجهودات يمكن أن تحسب عليها وهي أصلاً غير مستعدة لأي مخاطرة غير محسوبة العواقب في هذا الظرف العالمي الإستثنائي.
6. الإتحاد السوفيتي، والصين في موقفيهما الحاليين.

 

 

*وحدة القوات النظامية ورقة السودان الرابحة:*
هذه هي العوامل الجوهرية التي تتحكم في حاضر ومستقبل السودان، والمؤشرات الحالية تقول إن الورقة الرابحة التي يملكها السودان ويمكن أن تقلب بها الطاولة على رأس الأهداف الإستراتيجية والتي دفعت بالولايات المتحدة وأرسل فولكر ثم السفير الأمريكي ثم بقية سفراء أوربا وفوق كل ذلك والمبعوثين الستة هي الجيش السوداني وسنوضح في آخر هذا المقال كيف ذلك.

 

 

*الإتفاق الإطاري ورقة الإستخبارات العالمية الرابحة:*
أما الورقة الرابحة التي تعمل الإستخبارات العالمية مجتمعة على إنجاحها هي الإتفاق الإطاري الذي دفعت به خلال نقابة المحامين، والحرية والتغيير المجلس المركزي ثم ساندته بالفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة، ومن المؤكد أنها دفعت معه بجملة من التأكيدات والتطمينات المغلظة، أنه لن يخسر شيئاً بل سيكسب قبول العالم وتعاطفه وأنهم مثل ما دعموا السيسي في مصر وهو عسكري جاء عبر إنقلاب فهم على إستعداد لدعمه، ولكنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا حكوماتهم بدعمه إذا لم قبل بالإتفاق الإطاري.

 

 

وتم إسناد إتفاقهم هذا بالفريق أول حميدتي قائد قوات الدعم السريع، وهو الآخر أعطوه من التأكيدات والتطمينات الشئ الكثير، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما أعلنه هو بنفسه وإن كان يشك في وفائهم به وهو أن الدول الغربية ستفتح لهم أبواب خزائنها خلال عامي الفترة الإنتقالية الرابعة في الفترة من عام 2019م وحتى الأن، وأن السودان سيصبح دولة غنية في هذه الفترة فقط، وأتوقع أنهم خاطبوا همومه الخاصة، مثل أنك ستصبح في يوم ما رجل السودان الأول ما دمنا نحن من خلفك، وأن جيشك سيكون هو نواة جيش السودان الجديد إذا وقف الجيش الحالي المليان كيزان في طريق إنفاذ الإتفاق الإطاري الذي يسانده العالم أجمع.

 

 

وللتأكيد على مساندة العالم للإتفاق الإطاري أرسلوا إلى السودان دفعة واحدة ستة مبعوثين في ذات الوقت لا أعرف دولة في العالم جاءها ستة مبعوثين دفعة واحدة إلا هذا البلد العملاق الحريصين على تفتيته لعدد من الدويلات المُتناحرة ولكل دول إستعمارية نصيبها من الدول الوليدة.

 

*الصورة الإجمالية من الجانب الآخر:*
هي إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل منذ النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي على وضع يدها على واحد من أكبر بلدان العالم التي تختزن في باطنها موارد طبيعية هائلة ومتنوعة ويحتاجها في الوقت الحاضر العالم كله، وتحكم هذا البلد حكومات دكتاتورية تسمح للأيادي الصينية والسوفيتية بمشاركتها في هذه الإمكانيات وتحرم منها أمريكا وأوربا.

 

أما من الجانب الذي يلي بلادنا السودان، أنهم أستطاعوا بالخداع إستقطاب عناصر أمنية مؤثر من داخل حكومة عمر البشير عبؤا من خلالها الشارع السوداني وأسقطوا حكومته، لكن البشير ترك جيش قوي جداً ودولة متماسكة فعملوا خلال السنوات الأربعة الماضية على تفكيك البنيات الأساسية للدولة السودانية من خلال عدة وسائل من بينها دعم إستمرار الإحتجاجات ولجنة إزالة التمكين، وقد حققوا ذلك ولم يتبقي للسودان سوى الجيش الذي يحمل في الوقت الحاضر نفسه ويحمل السودان معه.

 

 

*الهدف الإستراتيجي لهذا المقال:*
هو رسم المخرج السليم لهذا الشعب الكريم قبل فوات الآوان، وهو على الفريق أول عبد الفتاح البرهان حماية لشعبه، بلاده، جيشه ونفسه أن ينحاز لهذا الشعب الشجاع الذكي اللماح، وأن يعلن أستيلاء قوات الشعب المسلحة على السلطة كاملة في البلاد.
وتكْون حكومة مدينة بمعرفتها، وتجعل:
عمر الحكومة المدنية الإنتقالية عام واحد فقط.
مهمتها الأولى الإعداد لإنتخابات حرة ونزيهة بنهاية فترتها.
وأن القوات المسلحة هي الضامن لحيادية الحكومة.
وأن حق الترشح متاح لكل سوداني عدا حملة الجوازات الإجنبية.
وأن تجعل مهمة القوات المسلحة حماية البلاد وحماية الحكومة المنتخبة.
وأنها تتدخل متى ما رأت ما يمكن أن يهدد أمن البلاد وسلامتها.

 

 

*من حق قيادات القوات النظامية أن تقدم نفسها للشعب السوداني:*
يحق لحماة البلد من القوات النظامية بشمولها أن تقدم نفسها للشعب السوداني إن أرد أن يختارها لقيادة البلاد مستقبلاً، وفي حالة فوز أياً من العسكريين عليه أن يقدم إستقالته من القوات النظامية ويتفرغ لقيادة البلاد، وأن الدولة السودانية ستكون في أيدي خبراء إستراتيجيين لا علاقة لهم بالسياسة، يعمل السياسيون على تنفيذ منتوجهم الفكري والعلمي للنهضة بالبلاد والسير بها قدماً في طريق التقدم والإزدهار.

 

أما النتيجة الطبيعية لسير الفريق أول عبد الفتاح البرهان والفريق أول حميدتي في طريق لم يرسموه هم بأنفسهم ولا يعرفونه من أين بدأ وإلى ماذا يقود، حتماً ستكون عليهم قفزة بلا مظلة في هاوية سحيقة في ليلة ظلماء، من المؤكد أنها ستكون عليهم حسرات، وهذا يقع على من لا يسمع نصح الناصحين، ومن المؤكد أن السودان لن يقبض من تنفيذ هذا الإتفاق إلا الريح ومزيد من الخلافات والشقاق، وهم من طرفهم سيدعمون كل الأطراف المُتناحرة وذلك من أجل تحقيق هدفهم الأكبر وهو حريق السودان.

 

 

أما المتوقع عند رجوع قيادة القوات النظامية إلى الشعب وإرادته ورغبته، هي إستخدام دول العالم الخاسرة لرهان هدم السودان على رؤوس أهله وبأيدي أبنائه أقصى أنواع والضغط والعزل على بلادنا، وقد تعرض الرئيس المشير عمر البشير في أول عهده ما لم يتعرض له رئيس دولة أخرى في العالم، لكنه وجد الشعب السوداني بأكمله إلى جواره، وسيكتب عنه التاريخ أنه أعظم قائد قاد هذه الأمه في تاريخها بأكمله بالأفعال لا بالأقوال، وأنتم الآن تملكون جيش عظيم يملك كل ما يمكّْنه من حماية شعبه وأرضه ومقدرات اُمته، سهل عليكم أن تسجلوا أسمائكم بأحر من الفخر والإعتزاز، وإلا لحق بكم الخزي والعار وأعيذكم بالله من ذلك إلى يوم يبعثون.

 

 

لمعرفة مزيد من خفايا النشاط الإستخباري العالمي، أنصح بالرجوع لكتاب “مستقبل الثورات”، الذي كتبه الدكتور جون فوران، أستاذ علم الإجتماع في جامعة كاليفورنيا، سنتا باربرا، الولايات المتحدة الأمريكية، الكتاب عبارة عن حوارات، مركزها الأساسي هو جدوى الثورات في ظل العولمة والإقتصاد السياسي، إشترك في هذه الحوارات نحو 21 أكاديمياً من كبار علماء الإقتصاد والإجتماع الذين أصدروا في الفترة من 1989م وحتى 2003م، عشرات المؤلفات التي تناقش نتائج الثورات في ظل العولمة والإقتصاد السياسي حول العالم، والسلام.
9/2/2023م.

بقلم الدكتور عبد الله الطيب علي الياس / خبير الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة