دكتور عبدالله الطيب يكتب .. ثورة ديسمبر 2018م وإنعكاساتها على الإقتصاد السوداني

 

 

شهد الإقتصاد السوداني منذ إنقلاب العميد عمر البشير على حكومة الصادق المهدي المنتخبة في منتصف العام 1989م الكثير من التقلبات وخضع إلى العديد من النظريات الإقتصادية والسياسية المالية من أجل مواجهة التحديات الجسام التي واجهتها الحكومة السودانية خلال عام 1990، والأعوام التالية له ومن السياسات الهامة التي تم تطبيقها في تلك الفترة هو تحوّْل السودان من الحكم المركزي إلى الحكم اللامركزي، وتوسع في تأسيس المدن، وتعرض الاقتصاد إلى الكثير من الأعمال من بينها التحكم في الأسعار، والكثير من الإجراءات الأخرى التي أقدمت عليها حكومة السودانية في تلك الفترة.

 

 

كان للإحتجاجات التي تفجرت في السودان نهاية عام 2018م والتي تمت تسميتها إصطلاحاً بثورة ديسمبر 2018م، آثاراً مدمرة على الإقتصاد السوداني، وكان لإستمرار الإحتجاجات في ظل الإستقطاب السياسي الحاد الذي مارسته القوى السياسية السودانية بمختلف تياراتها اليسارية واليمينية، وإتساع دائرة العنف الجسدي واللفظي في الشارع، والأحتكاك الناعم والخشن مع قوات الشرطة، وإتساع دائرة تخريب الممتلكات العامة والخاصة ووقف النشاط التجاري وحركة المرور من خلال إغلاق الشوارع مردوداً مروعاً على الإقتصاد السوداني الذي كان قد شب عن الطوق وتجاوز المعوقات وأنطلق إلى آفاق النهضة الإقتصادية الشاملة التي كان ينتظرها الشعب سوداني.

 

إستمرت الإحتجاجات وأستمر معها الجمود وكل ما هو سلبي في السياسة والإدارة، حيث لم يتوصل المحتجون بشكل سلمي إلى تفاهمات لإصلاح المشاكل الإقتصادية القائمة، فتمت معاقبة الشعب السوداني بأكمله من خلال الأزمة المالية التي إستهدفت العملة الوطنية والنظام المصرفي ودعمت التضخم الركودي “Stagnation” وهو تباطؤ معدل النمو الاقتصادي بشكلٍ أضعف القوة الشرائية للعملة السودانية، مما سمح بتدمير المكتسبات الإقتصادية الهائلة التي حققها الإقتصاد السوداني خلال عشرين عاماً التي بدأت عام 1997م وأنتهت عام 2017م.

 

بدأت المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الخطط الإستخبارية الإستراتيجية في تعطيل إنطلاقة السودان في تحقيق نهضته الأقتصادية الشاملة من خلال الهجمات العسكرية المباشرة على الجيش السوداني الذي كان في أضعف حالاته على مدار تاريخه، حيث أهملت الحكومة الديمقراطية المنتخبة تسليحه ومدته بزخائر بعضها صوتي وبعضها تالف، في حين أمدت الإستخبارات العالمية التمرد بأحدث الأسلحة والزخائر والمعدات وناقلات الجنود والإمدادات العسكرية وغيرها.

 

 

وجدت الإستخبارات العالمية أن السبب الأول لتفجُر ثورة الأنقاذ هو الأوضاع المذرية التي عاشها في ذلك الوقت الوطن بأكله والجيش بخاصته، فقامت بتوجيه جل إمكانات الدولة لأعداد جيش قوي يستطيع أن يطلع بمهامه في حماية أمن البلاد وسلامة مواطنيها وأرضيها ووحدتها الوطنية، فكان كل يوم في ظل الإنقاذ أفضل للجيش من اليوم السابق له، ومن أفضل حسناتها أنها فكت إرتباط الجيش بالحكومة وأعادت ربطه بالدولة، ولذا منحته إستقلالية إقتصادية كاملة مثله مثل أي جيش متقدم، مكنته من تصنيع جميع معداته العسكرية من لدن الزخائر والبنادق الآلية مرور بنظارات الرؤية الليلية وحتى الدبابات والراجمات الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار، وأصبح الجيش يتأثر بقوة الدولة ولكنه لا يتأثر كثيراً بضعفها، فقد صممته الإنقاذ لدعم الدولة وإسنادها حال ضعفها حتى لا تنهار.

 

 

 

إستطاعت الإستخبارات العالمية إستغلال تناقضات السياسيين وأطماع القادة الأمنيين والعسكريين وبذلت لهم الوعود البراقة من أجل إنهاء حكم الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير الذي أستطاع أن يحقق نهضة إقتصادية حقيقية أوصلت الناتج القومي الإجمالي للسودان في عام 2017م، وفقاً للبنك الدولي 120 مليار دولار، وفقاً صندوق النقد الدولي 130 مليار دولار، في حين إستلمت الإنقاذ ناتج قومي إجمالي للسودان تتراوح ما بين 9 إلى 12 مليار دولار، كما أن الإنقاذ إستطاعت أن تنقل الجيش السوداني من الجيش الأخير بين جيوش المنطقة والعالم إلى أفضل الجيوش العربية والأفريقية بل جعلته ينافس على المقاعد العشرين الأولى على مستوى جيوش العالم.

 

 

ولكل ما تقدم نقول للقائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن حافظت فقد حافظت على وطن شامخ وجيش عظيم، وإن ضيعت فقد ضيعت مجهود رجال مخلصين خدموا هذا الوطن بالغالي والنفيس وحافظوا عليه في أسوء الظروف وأخرجوه من غيابة الجب الإقتصادية في أحلك السنوات وسلموك أمانه عظيمة يفرض عليك دينك وقسمك العسكري وأخلاقك أن لا تدفع بهذا الوطن النبيل وهذا الجيش العظيم لأيتام السفارات وشذاذ الآفاق وربائب الإستخبارات العالمية، وإن فعلت ذلك فعلم أنك ستكون السبب الجوهري في إشعال حرب داخلية يتمناها أعداء هذه الشعب النبيل، من المرحج أنها ستنتهي بتفكيك السودان طوبة طوبة كما يتنمى اليسار العلماني العميل ويشهي، وما أنا إلا نذير مبين، والسلام، 4/2/2023م

الدكتور عبد الله الطيب علي الياس / خبير الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة.