التمييز القانوني في السودان بحق غير المسلمين.. أي تغيير ممكن؟

 

الخرطوم: محجوب عيسى

لم يدر في خلد المواطن السوداني القس ستيفانو عادل، أنه سيكون عرضة للتمييز القانوني، بعدم سير إجراءات البلاغ الذي دونه في قسم شرطة، لمجرد أنه غير مسلم.

وصل عادل إلى قسم الشرطة، لتدوين بلاغ، عقب الهجوم والاعتداء الذي تعرض له من قبل مجموعة من الأفراد أثناء أداء صلاة بالكنيسة الكاثوليكية، التي تقع في منطقة الحاج عبد الله بولاية الجزيرة، بحجة أن مقر الكنيسة تابع للجنة الخدمات والتغيير.

دون القس بلاغاً بالحادث، وتفاجأ بوجود بلاغ ضده تحت المادة 69 المتعلقة بالإخلال بالسلامة العامة.

نزلت الحادثة على القس كالصاعقة، حيث لم يتوقع ألّا يقف القانون بجانبه في بلد كفل دستوره الحقوق وحرية الاعتقاد.

وتشرح المحامية بابل إسحاق تفاصيل ما جرى بعد ذلك في القضية، إذ تم إلقاء القبض على القس، وحكم عليه وعلى واحد من الأفراد الذين اعتدوا عليه بالسجن لمدة شهر، بعد فشل كافة محاولات إطلاق سراح عادل بالضمانة.

 

وترى إسحاق المتخصصة في الدفاع عن حقوق غير المسلمين، أنه لا توجد عدالة حتى بعد ثورة ديسمبر، وذلك رغم اعتراف أحد الذين قاموا بالهجوم والضرب وكذلك تأكيد شهود الدفاع، إلا أن إجراءات البلاغ ضد بقية الأشخاص الذين نفذوا الهجوم تسير ببطء شديد.

تغيير جذري

عندما نجحت ثورة ديسمبر بإسقاط الرئيس السوداني عمر البشير قبل نحو ثلاثة أعوام، اعتقد المحامي والناشط الحقوقي فتح الرحمن خميس أن تلك اللحظة ستمثل نهاية لما يصفه بالتمييز القانوني ضد غير المسلمين، وتفاءل بحدوث تغيير في البنية السياسية يؤدي إلى تعديل القوانين. لكن، سرعان خاب أمله، إذ يتحدث متحسراً عن عدم المضي قدماً بشكل كاف في هذا الاتجاه، ويشرح أن “التغيير بحاجة لعمل كبير، لا سيما وأن المسائل لها جوانب اجتماعية واقتصادية ونفسية”.

 

ويردف خميس أنه “لن يكون هناك أي إصلاح ما لم يكن هناك تغيير جذري في المفاهيم ووعي بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان واحترام الآخر”.

 

ويوضح خميس أن التمييز يرجع إلى فترة استقلال السودان من الاستعمار البريطاني، مشيرا إلى أن نظام الإنقاذ الإسلامي الذي وصل للسلطة أواخر الثمانينيات من القرن الماضي سنَّ بعض القوانين التي كانت سابقا مجرد عادات وتقاليد، ولا تساوي بين المواطنين، مثل عدم السماح لغير المسلمين من الرجال الزواج من امرأة مسلمة، فضلاً عن المحاكمة بممارسة الزنا في حال ممارسة الجنس خارج إطار الزواج أو حتى في حال عدم امتلاك مستندات قانونية تثبت الزواج، ويتم التفريق بين الزوجين، إذا كان الرجل غير مسلم.

 

ويلفت الناشط الحقوقي كذلك إلى وجود تمييز في قانون الميراث الذي يحظر على المسيحي أن يرث المسلم والعكس، وكذلك في قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، إلى جانب التمييز فيما يتعلق بالشهادة في قانون الإثبات السوداني في محاكم الأحوال الشخصية للمسلمين، إذ لا يجوز الشهادة فيها إلا للمسلمين.

 

ويشرح خميس التمييز في قانون حضانة الأطفال كذلك، فوفق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، فإن الحضانة لأصلح الأبوين ديناً، وقد يحرم الطفل من رعاية الأصلح له نفسياً وتربوياً ومادياً بسبب الدين.
ويرى القانوني السوداني أن “هذا التمييز أصبح عرفاً”، مضيفاً أن “العرف قانون غير مكتوب”، ويختم حديثه بالإشارة إلى أن أشكال التمييز هذه تتعارض مع المواثيق الدولية والمساواة أمام القانون.
وتلزم المادة الثانية- الفقرة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الدول بأن تتعهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.

وتنص الفقرة الثالثة (ب، ج)، بأن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، بأن تكفل الحقوق المعترف بها في العهد لكل متظلم وأن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي، وأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلمين.

تمييز مستمر
ويتفق المحامي والقانوني البارز نبيل أديب مع خميس بأن الفترة الانتقالية لم تشهد الإصلاح القانوني لضمان المساواة بين المواطنين وإلغاء أي شكل من أشكال التمييز، مضيفا أن الأخير ما يزال مستمراً.
ويبيّن أديب في حديثه لـ(سكاي سودان) أن التمييز يتمثل في عدد من الأحكام أبرزها التضييق في التصديق على إنشاء الكنائس، وغياب قانون أحوال شخصية لغير المسلمين، بالإضافة إلى اعتبار معتقداتهم الدينية مجرد عرف جار بين الخصوم ذوي الشأن ويمكن للمحكمة أن تتجاهله إذا ارتأت أنه لا يتفق مع العدالة والإنصاف والوجدان السليم، وتشترط لتطبيقه أن لا يعدل أو يلغى بموجب أحكام أي قانون، ولم يتقرر بطلانه بقرار صادر من محكمة مختصة، مما يعتبر مراجعة لمقدساتهم الدينية.

ويلفت أديب إلى المادة ١٢ من قانون زواج غير المسلمين، والتي تمنح الزوجة غير المسلمة الطلاق بشكلٍ تلقائي إذا اعتنقت الدين الإسلامي، بينما لا يجوز لها أن تطلب الطلاق في حال اعتنق زوجها الإسلام إلا إذا تزوج أو همّ أن يتزوج بأخرى. ويذكّر أديب أن دستور ٢٠٠٥ كان يكفل الحرية الدينية، مضيفاً أن المشاكل في القوانين.

حق دون تمييز
الناشطة الحقوقية والمحامية محاسن عبد القادر عوض، تختلف مع رأيي خميس وأديب، وتنفي وجود تمييز قانوني ضد غير المسلمين حتى خلال فترة النظام السابق للرئيس عمر البشير.

 

وتقول عوض لـ(سكاي سودان) إن ما حدث من تمييز يرجع لبعض القرارات الإدارية وبعض العراقيل، وتشير إلى أن هدم الكنائس تم بحجج واهية بقصد وقف ممارسة الشعائر الدينية والتضييق على المسيحيين وخلق الفتن وزعزعة الاستقرار داخل الكيانات الدينية كما حدث بالكنيسة القديمة بأم درمان قبل أربعة أعوام.

وتؤكد عوض أن دستور 2005، الذي صدر في عهد نظام الإنقاذ الإسلامي أثبت حق المواطنة دون تمييز نوعي أو ديني، بالإضافة إلى أنه صادق على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، الأمر الذي ألزم الدولة دستورياً بوضع تشريعات تتواءم مع الدستور ومع المواثيق الدولية للحقوق المدنية والسياسية، وتردف أنه “إذا صدر قرار أو تشريع غير متوائم مع الدستور، فعلى المتضرر رفع طعن دستوري فوراً، وهذا على سبيل التشريع، بينما في الواقع حدثت مشاكل ومواجهات كثيرة”.

 

وبحسب عوض، فإن الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في 2019 ومن ثم الوثيقة المعدلة عام 2020 كفلتا الحقوق والحريات للجميع دون تمييز، وأنهما اعتبرتا المواطنة هي أصل الحقوق والواجبات.

 

وتتأسف المحامية السودانية “لغياب المجلس التشريعي الثوري الذي يمكن أن يسن تشريعات وقوانيناً تتفق وتتلاءم مع الدستور”، كما تتأسف “لعدم إنشاء محكمة دستورية تحمي الدستور وتلغي الإجراءات والقرارات التي تتناقض معه”، وتعتبر أن “الحقوق المنصوص عليها في دساتير السودان حبر على ورق طالما أنها لم تجد الحماية القانونية والدستورية”.
وقد كفلت الوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019 التي تم تجميد العمل ببعض بنودها في العام 2021، المساواة بين المواطنين على أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد والأعراف وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الرأي السياسي أو الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة أو أي سبب آخر، وذلك وفق المادة 18.
وتتفق الناشطة في مجال حقوق الإنسان صباح محمد الحسن، مع محاسن عوض وتقول لـ(سكاي سودان) إنه “لا يوجد تمييز قانوني ضد غير المسلمين في السودان لكن هناك ثمة بعض الاتهامات في الخطاب الإعلامي خاصة على منصات التواصل الاجتماعي نابع من خطاب الكراهية المتصاعد، غير مسنود بدليل قاطع يثبته على الواقع”.

آراء متناقضة

وعلى خلاف الآراء السابقة، يصف الداعية الإسلامي والمحامي ناجي مصطفى الحديث عن التمييز القانوني ضد غير المسلمين بأنها دعوى فارغة وافتراء القصد منه تجريف قانون الأحوال الشخصية للمسلمين.
ويلفت إلى أن قانون الأحوال الشخصية ظل حتى في الدول العلمانية محترماً، باعتباره اختياراً لحالة شخصية لا يجوز للحكومة أن تتصرف فيها بغير رأي الناس.
ويؤكد ناجي لـ(سكاي سودان) أن قانون الأحوال الشخصية في السودان والذي يطبق أحكام الطلاق والنفقة والميراث وغيرها من أحكام الشريعة الإسلامية إنما خاص بالمسلمين فقط، ولا يطبق على غيرهم من المسيحيين وأصحاب المعتقدات المحلية الأخرى، وذلك لوجود قانون آخر لغير المسلمين يطبق بينهم اعرافهم الدينية السارية والمعمول بها بينهم في مسائل الأحوال الشخصية.
إلا أن المحامي أحمد البدوي يلفت إلى ما يراها “أضراراً كبيرة للتمييز، أبرزها فقد المجتمعات حقها في التقاضي وانتمائها لسلطة القانون والدستور، ما يعمق عدم التزامهم بالدولة وفقدان الشعور بالمواطنة”.
ويصف البدوي في إفادة لـ(سكاي سودان) التمييز بأنه “ممنهج والقصد منه عدم الاعتراف بحق مواطنة للأشخاص، وربطه بالسلوك وتشكيل رأي عام بأن من لا دين له لا حقوق له في الدولة.
وينوه المحامي السوداني إلى ضرورة وضع قانون مدني ينظم العلاقات بين كافة الأشخاص دون تمييز.